بسم الله الرحمن الرحيم التوبة من السرقة والتصرف بالمال المسروق س: كيف يتوب السارق، وكيف يتصرف بالمال المسروق؟ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
التوبة واجبة من كل ذنب، وقد تَظَاهَرَتْ دَلائِلُ الكتَابِ والسُّنَّةِ وإجْمَاعِ الأُمَّةِ عَلَى وُجوبِ التَّوبةِ. قَالَ الله تَعَالَى:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور: 31]، وَقالَ تَعَالَى:{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ }[هود:3]، وَقالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحا}[التحريم:8]. وعن أبي موسَى عبدِ اللهِ بنِ قَيسٍ الأشْعريِّ -رضي الله عنه-، عن النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم-،قَالَ:'إنَّ الله تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بالليلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، ويَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها'رواه مسلم. وعن أبي هُريرةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم-:'مَنْ تَابَ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها تَابَ اللهُ عَلَيهِ'رواه مسلم.
قال النووي:'قَالَ العلماءُ: التَّوْبَةُ وَاجبَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْب، فإنْ كَانتِ المَعْصِيَةُ بَيْنَ العَبْدِ وبَيْنَ اللهِ تَعَالَى لاَ تَتَعلَّقُ بحقّ آدَمِيٍّ فَلَهَا ثَلاثَةُ شُرُوط:
أحَدُها: أنْ يُقلِعَ عَنِ المَعصِيَةِ.
والثَّانِي: أَنْ يَنْدَمَ عَلَى فِعْلِهَا.
والثَّالثُ: أنْ يَعْزِمَ أَنْ لا يعُودَ إِلَيْهَا أَبَداً. فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ الثَّلاثَةِ لَمْ تَصِحَّ تَوبَتُهُ.
وإنْ كَانَتِ المَعْصِيةُ تَتَعَلقُ بآدَمِيٍّ فَشُرُوطُهَا أرْبَعَةٌ: هذِهِ الثَّلاثَةُ، وأنْ يَبْرَأ مِنْ حَقّ صَاحِبِها، فَإِنْ كَانَتْ مالاً أَوْ نَحْوَهُ رَدَّهُ إِلَيْه، وإنْ كَانَت حَدَّ قَذْفٍ ونَحْوَهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ أَوْ طَلَبَ عَفْوَهُ، وإنْ كَانْت غِيبَةً استَحَلَّهُ مِنْهَا_ إلا إذا خاف مفسدة أعظم، ففي هذه الحالة يستغفر ويذكر من استغابه بخير ويمدحه بما فيه من الخصال الحميدة_. ويجِبُ أنْ يَتُوبَ مِنْ جميعِ الذُّنُوبِ، فَإِنْ تَابَ مِنْ بَعْضِها صَحَّتْ تَوْبَتُهُ عِنْدَ أهْلِ الحَقِّ مِنْ ذلِكَ الذَّنْبِ وبَقِيَ عَلَيهِ البَاقي.{ رياض الصالحين(1/22)}.
وعليه لا تتم توبة السارق إلا بالشروط الأربعة المذكورة سابقاً، وإلا لم يحصل الخلاص من ضرر ذلك الذنب، قال النبي صلى الله عليه وسلم:'من كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرض فليتحلَّلْه اليوم؛ قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات'{رواه البخاري}.
قال الأزهري المالكي في الثمر الداني(1/590):'التوبة لا تأثير لها في حقوق الآدميين فيؤخذ منه المال إن وجد واتبع به إن أعدم'.
وجاء في حاشية العدوي(1/233) عند الحديث عن شروط التوبة:'فَيَرُدُّ الْمَظَالِمَ، تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ الْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ بَقِيَتْ أَعْيَانُهَا أَوْ اُسْتُهْلِكَتْ وَتَعَلَّقَتْ بِالذِّمَّةِ '. انظر: الشربيني في الإقناع(4/172).
تنبيه: بعض الناس قد يتحرج أو يخاف من رد المظالم، وخصوصاً إذا كانت سرقة.
والحل في مثل هذه الحال يسير _بحمد الله_ فإما أن يذهب لصاحب الحق بنفسه، ويخبره بما كان من أمره، ويرد عليه ما أخذ منه، وإما أن يهاتفه عبر الهاتف ويتفق معه على حل معين، وإما أن يرسل له المبلغ المالي عبر البريد، وإما أن يوسط أحداً من الناس في إرسال المال، ويطلب منه التحلل من صاحبه من غير ذكر اسم السارق.
وإن كان لا يعرف صاحب المظلمة، أو أن يكون قد بحث عنه فلم يجده، ولم يعرف أحداً من أقاربه، أو أن يكون_مع ذلك_قد نسي مقدار ما أخذ منه، أو أن يكون نسي صاحب المظلمة_فَلْيُقَدّرْ ما أخذ منه، وليتصدق به عنه؛ فإذا كان يوم استيفاء الحقوق كان لأهل الأموال الخيار، بين أن يجيزوا ما فعل، وتكون أجورها لهم، وبين ألا يجيزوا ويأخذوا من حسناته بقدر أموالهم، ويكون ثواب تلك الصدقة له؛ إذ لا يبطل الله_عز وجل_ثوابها، ولا يجمع لأربابها بين العوض والمُعَوَّض، فيغرمه إياها، ويجعل أجرها لهم، وقد غرم من حسناته بقدرها.
بل إن صاحب المال قد يَسُرُّه وصول ثواب ماله إليه أعظم من سروره بوصوله إليه في الدنيا. {انظر: مدارج السالكين(1/391_393)، التوبة وظيفة العمر(1/50)}.
ومن لم يقْدر على الإيصال بعد بذله الوسعَ ومات فترد حقوق العباد من تركته، وأما من لا مال له ومات عازماً على القضاء فقد ورد في الأحاديث على أن الله تعالى يقضي عنه . فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله )). [ أخرجه البخاري